قصه كان لامرأة ولد وحيد كامله
مَنْ سَوفَ يَسمَعُ صَرختي ؟؟ !!
كانَ لِامرَأةٍ أرمَلَةٍ وَلَدٌ وَحيدٌ أَضاعَتْ زَهرَةَ شَبابِها في تَربِيَتِهِ والإِنفاقِ عَلَيهِ وَ تَدليلِهِ بَعدَ وَفاةِ والدِهِ حَتَّى بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ استَوى رَجُلًا كامِلًا ، لكِنَّهُ لَم يَكُن رَجُلًا صالِحًا ! ، فَقد كانَ سِكِّيرًا يُعاشِرُ أَصدقاءَ السُّوءِ وَ يُبَذِّرُ أَموالَهُ بِالفَحشاءِ وَ العَربَدَة ، وَ كانَ _ أَيضًا _ عاقًّا لِأُمِّهِ ، يَضربُها وَ يَسُبُّها لِأتفَهِ الأسبابِ بِلا تَحَرُّجٍ ! ، وَ قَد صَبِرَتْ عَلَيهِ الأُمُّ حَتَّى نَفِدَ صَبرُها بَعدَ أَن انهالَ عَلَيها ضَربًا بَعد رُجوعهِ للبيت فَجرًا من أَحَدِ بُيُوتِ الدِّعارة سَكرانَ !
ذَهَبَتْ الأُمُّ إِلى الوالي العُثمانيِّ ( أحمد أغا ) _ وكانَ مَشهورًا بِقَسوتِهِ _ وَ شَكَتْ إِلَيهِ وَلَدَها العاقَّ الفاسِدَ ؛ فَأمَرَ الوالي شُرطِيَّينِ بِالقَبضِ عَلَيهِ فَورًا لِتَعذِيبهِ ، وَ حِينَ غادَرَتِ الأُمُّ مَجلِسَ الوالي لِمُرافَقَةِ الشُّرطيَّينِ إِلى بَيتِها لِلقَبضِ على وَلَدِها ، مَرَّتْ بِقاعَةٍ كَبيرَةٍ ، فَسَمِعَتْ صُراخًا شَديدًا ، فسَأَلَتِ الشُّرطِيَيْنِ :
_ ماهذا الصُّراخ ؟!
فَقالَ أَحَدُهُما :
_ هذه قاعَةُ تَعذيبٍ لِلمُجرمينَ مِثلِ ولَدِك !
فَوَقَعَ قَلبُ الأُمُّ ، وَ أَخَذَتْ تَرتَجِفُ مِنَ الخَوفِ وَ القَلَقِ على وَلَدِها ، وَ نَدِمَتْ على شَكواها أَشَدَّ النَّدَمِ ، وَ أَحَسَّتْ أَنَّها في وَرطَةٍ كَبيرَةٍ ، وَ لا بُدَّ من تَخلِيصِ نَفسِها وَ وَلدَها مِن هذهِ الوَرطَة !
.......................
في طَريقِها إِلى الحَيِّ الَّذي تَسكُنُ فِيهِ ، شَاهَدَتْ شابًّا يُشبِهُ وَلَدَها ، فَلَمَعَتْ في ذِهنِها فِكرَةٌ ذَكِيَّةٌ ، لكِنَّها شِرِّيرَةٌ ، فَصَرَخَتْ :
_ هذا هُوَ وَلَدي العاقُّ !
فَرَكَضَ الشُّرطِيَّانِ ، وَ أمسَكَا بِذلكَ الشَّابِّ المِسكِين !
...............................
حينَ أُحضِرَ ذلكَ الشَّابُّ أَمامَ الوالي ، أَخَذَ يَصرُخُ :
_ هذهِ لَيسَتْ أُمِّي ! ، أُمِّي ماتَتْ في أَثناءِ وِلادَتِها لي ! ، وَ رَبَّتْني زَوجَةُ أُبي الَّتي أَذاقَتْني ألوانَ العَذابِ وَ الهَوانِ وَ الحِرمان !
فَقالَ لَهُ الوالي :
_ اَ تَصِلُ بِكَ الوَقاحَةُ وَ يَبلُغُ بِكَ العُقُوقُ إلى إِنكارِ أُمِّكَ ؟!
سَكَتَ الوالي ، وَ التقَطَ أنفاسَهُ المُتسارِعَةَ مِنَ الغَضَبِ وَ قالَ :
__ خُذُوهُ وَ اجلِدُوهُ بِكلِّ أنواعِ السِّياطِ ، وَ عَذِّبُوهُ بِكُلِّ فُنُونِ التَّعذيبِ حَتَّى يَعتَرِفَ بِأُمِّهِ وَ يَكُونَ بارًّا بِها ، وَ ضَعُوا بَعدَها أُمَّهُ على كَتِفَيهِ لِيَدورَ بِها أَحياءَ (بَغدادَ ) وٕ شَوارَعِها !
...................................
كانَ ذلكَ الشَّابُ يَحمِلُ تِلكَ العَجُوزَ وَ يَطُوفُ بِها ( بَغدادَ ) _ بِظَهرٍ مُتَقرِّحٍ مِن ضَرْبِ السِّياطٓ ، وَ وَجهٍ مُتَوَرِّمٍ من اللَّكَماتِ _ وَ هُوَ يُنشِدُ _ وَ الدُّمُوعُ تُبلِّلُ ثِيابَهُ المُدَمَّاةَ _ :
تَهوي على ظَهري سِياطُ عَذابِ
آهٍ ؛ تَقَضَّى بِالشَّقاءِ شَبابي ! !
ما هذهِ الدُّنيا ؟! وَ ما تَفسِيرُها ؟!
هذا السُّؤالُ يَظَلُّ دُونَ جَوابِ !
ذُو الذَّنْبِ يَنجُو مِنْ عِقابِ ذُنُوبِهِ
أَو رُبَّما يَحظى بِخَيرِ ثَوابِ !! !
كَم مِنْ عِقابٍ كانَ دُونَ جَريمَةٍ
وَ جَريمَةٍ مَرَّتْ بِغَيرِ عِقابِ !!!!! !
وَ الحَظُّ يَحكُمُ في الأُمُورِ جَمِيعِها
وَيْلٌ لِحَظٍّ في سَوادِ غُرابِ !
البَعضُ لا يَجنِي سِوى شَوكٍ بِها
وَ البَعضُ يَقطُفُ أَطيَبَ الأَعنابِ !
وَ البَعضُ يَشرَبُ مِن كُؤوسٍ أُدهِقَتْ
وَ البَعضُ لا يَحظى بِغَيرِ سَرابِ !
يا لَيتَ شِعرِيَ مَنْ سَيَسمَعُ صَرخَتي
حَتَّى أُمَزِّقَ بِالصُّراخِ ثِيابي ؟!!!
..............................
تنويه : الحكاية مُقتبَسةٌ من كتاب (( الحكاية والإِنسان) ، يوسف أمين قصير ، المؤسسة العامة للصَّحافة والطِّباعة ، مطبعة الجمهورية _ بغداد ، 1970 ، ص44) ، لكنَّني أَضَفتُ لَها الشِّعرَ من نظمي .
● واللَّوحة هي (الصَّرخَة ) ،
أكثَرُ الأعمالِ الفَنيَّة شُهرَةً لِلفَنَّانِ التَّعبيريِّ النَّرويجيٌّ (إدفارت مونك) رَسَمَها في عام 1893.