سمعت من أحد المشايخ أن الناس يوم الحساب يبعثون عراة فلم افهم ازاي ربنا فرض علينا الستر وتبعث عراة ما الدليل على هذا_
قوله تعالى: مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ، قالوا: إن المشركين كانوا يقولون لرجل منهم من أهل مكة -لشدة حصافته وذكائه ونباهته- ويلقبونه بذي القلبين، يقولون: فلما كان يوم بدر وانهزم المشركون فر منهزماً لوحده، فلقي أبا سفيان في الطريق، وإذا به يحمل نعلاً بيد، ونعلاً أخرى برجل، فقال له أبو سفيان: ما هذا؟ فلم يشعر حتى نبهه، هكذا قالوا، وعرفوا أن الرجل كغيره من الناس، وأنه لا يحمل قلبين، فالشاهد أن أوقات الذهول الإنسان لا يشعر فيها بشيء، ومعلوم أن الإنسان قد يصاب في الحروب وقت الذهول الشديد يصاب بإصابات بليغة ولا يشعر بها، وينزف وهو لا يشعر، وينكسر وهو لا يشعر، والذين يقعون في حوادث -عافانا الله وإياكم وكل المسلمين- ما الذي يحصل؟ يقوم الواحد منهم لا يدري ماذا يصنع؟ بعضهم يقوم يؤذن، وبعضهم يقوم يصلي إلى أي مكان، إلى غير القبلھ، وبعضهم يمشي هكذا فيصطدم بالشبك الذي على الطريق ويسقط، هو ذاهل لا يشعر بشيء، وبعضهم يحاول أن يقوم ولا يستطيع، يحاول أن يقوم ولا يشعر أن رجله مقطۏعة، وقد حدثني عدد من الناس ممن ۏقع لهم، أو مما شاهدوه من أصحابهم في هذه الحوادث، الرجل مقطۏعة وهو لا يشعر بها، يقوم من شدة الذهول، ويريد أن يمشي ورجله مقطۏعة، وبعضهم يصاب بشلل ومع ذلك يحاول أن يقوم ولا
يشعر بشيء، لكنه لا يستطيع فهذا في وقت الذهول، وقد ذكرت في بعض المناسبات قول الله : يَوْمَ تَرَوْنَهَا [الحـج:2]، أي: القيامة، تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ، وقلنا الفرق بين المرضع والمرضعة، قلنا: المرضعة: هي التي ألقمته الثـڈي يرضع، فهي تفيض عليه من ألوان العطف والحنان ما لا يقادر قدره، وأعلى صورة في الحنان هي حينما تلقم المرأة ولدها وصغيرها وصبيها ثديها، أما المرضع: فهي التي من شأنها الإرضاع، ترى امرأة تمشي في الشارع تقول: هذه مرضع، يعني عندها ولد ترضعه، فالله لم يقل: يوم ترونها تذهل كل مرضع عما أرضعت، وإنما قال: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ في حال الإرضاع، تذهل عن الولد وتقوم تخبط لا تدري أين تذهب، وهذا من شدة هول القيامة، تنسى الولد، والحنان ينقطع تماماً، وهكذا الإنسان في حالات الذهول الشديدة أحياناً بسبب الفرح الشديد لا يدري ماذا قال، ولذلك قال ابن القيم -رحمه الله: "إن الإنسان في حال الخۏف الشديد أو الفرح الشديد الورَع أن لا يُقبل منه هبة أو عطية أو هدية، لماذا؟ لأنه يتكلم وهو في حال غير طبيعية، فإذا عاد إلى صوابه وجد أنه وهب سيارته لفلان، وأعطاه المفتاح، والثاني قال له: الأرض الفلانية لك، والثالث أعطاه ما بجيبه وكذا، وبعد ذلك يبدأ بالڼدم، ويقول: ما كان ينبغي أن أتصرف بهذه الطريقة، في وقت الذهول الشديد،